النساء والأطفال يدفعون الثمن.. لماذا فشلت الجهود الدولية في إنهاء الأزمة الإنسانية بالسودان؟
النساء والأطفال يدفعون الثمن.. لماذا فشلت الجهود الدولية في إنهاء الأزمة الإنسانية بالسودان؟
قدّم مسؤولون أمميون رفيعو المستوى تقييماً قاتماً للأوضاع الإنسانية في السودان، مؤكدين أن المدنيين يواجهون خطر الجوع والموت، وأن النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من تداعيات الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.
وخلال إحاطة مشتركة للصحفيين في نيويورك يوم الجمعة، عقب زيارة ميدانية إلى السودان، دق أربعة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة –يمثلون برنامج الأغذية العالمي، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة اليونيسف، والمنظمة الدولية للهجرة– جرس إنذار جديداً بشأن حجم المأساة الإنسانية في البلاد وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
جاءت تصريحاتهم لتؤكد أن السودان يعيش اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والنزوح في العالم، وأن ملايين السودانيين يقفون على حافة المجاعة في ظل انعدام الأمن الغذائي، وانهيار الخدمات الأساسية، وغياب أي أفق سياسي لوقف الحرب.
مجاعة تلوح في الأفق
قالت فاليري غوارنييري، المديرة التنفيذية المساعدة لبرنامج الأغذية العالمي، إن السودان يمثل "أولوية قصوى" للمنظمة، ووصفت الوضع الإنساني بأنه خطر بعد تأكيد وجود مجاعة في أجزاء من البلاد، وأوضحت أن البرنامج تمكن خلال الأشهر الماضية من إيصال المساعدات إلى أكثر من أربعة ملايين شخص شهرياً، رغم التحديات الأمنية واللوجستية.
وأضافت غوارنييري أن دارفور تظل بؤرة القلق الكبرى، حيث تمكن البرنامج من الوصول إلى مليوني شخص، بينما وصلت المساعدات إلى 1.8 مليون في المناطق المهددة بالمجاعة، أي نحو 85 في المئة من السكان المعرضين للخطر.
وأشارت إلى جهود لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي بالتعاون مع البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، مؤكدة أن صمود المجتمعات المحلية هو العامل الأهم في مواجهة الأزمة.
أكبر أزمة حماية في العالم
كيلي كليمنتس، نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين، قالت إن السودان يواجه "أكبر أزمة حماية في العالم"، مشيرة إلى أن أكثر من 12 مليون شخص نزحوا منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 – أي واحد من كل ثلاثة سودانيين.
وروت كليمنتس مشاهداتها في بورتسودان والخرطوم، متحدثة عن قصص مؤلمة لعائلات فقدت كل شيء، وقالت: "النساء والفتيات يواجهن مخاطر لا توصف، والانتهاكات تتزايد مع غياب الحماية القانونية والانسانية".
وأضافت أن كرم السودانيين تجاه اللاجئين لا يزال لافتاً رغم ما يعانونه، لكنها حذرت من تصاعد المشاعر المعادية للأجانب في بعض المناطق.
الأطفال يدفعون الثمن الأكبر
من جهته، وصف تيد شيبان، نائب المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسف، الوضع في السودان بأنه كارثي، مشيراً إلى أن الأطفال هم الخاسر الأكبر في هذه الحرب.
وقال إن نحو 1.4 مليون طفل يعيشون في ظروف مجاعة أو ما يقرب منها، في حين يعاني 150 ألف طفل في شمال دارفور وحدها من سوء التغذية الحاد الوخيم، وأضاف أن 14 مليون طفل خارج المدارس، أي ما يعادل أربعة من كل خمسة أطفال في البلاد، ما يعني أن "جيلاً كاملاً مهدد بالضياع".
ورغم المشهد القاتم، تحدث شيبان عن صور من الأمل والصمود، حيث تستمر المجتمعات المحلية في إصلاح المدارس وتقديم الدعم للأطفال، في وقت تعمل فرق اليونيسف على تقديم اللقاحات والعلاج والناموسيات ومستلزمات الوقاية.
أسوأ أزمة نزوح
أوغوتشي دانييلز، نائبة المدير العام للعمليات في المنظمة الدولية للهجرة، أكدت أن السودان يشهد "أسوأ أزمة نزوح على مستوى العالم".
وقالت إن أكثر من 30 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بينهم 9.6 مليون نازح داخلي و4.3 مليون فروا إلى دول الجوار، وحذرت من أن الأزمة تتفاقم بسبب انتشار الأمراض والفيضانات وتدمير البنية التحتية وانهيار الخدمات العامة.
وأشادت دانييلز بجهود التعافي المحلية، مشيرة إلى مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية وتشغيل مرافق المياه بالطاقة الشمسية في المناطق المتضررة، لكنها شددت على أن "الاحتياجات تفوق بكثير الإمكانات المتاحة"، مطالبة بوقف فوري للأعمال العدائية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
الحاجة إلى تحرك دولي
تؤكد هذه الشهادات الأممية أن الأزمة السودانية لم تعد مسألة داخلية أو إقليمية، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لفاعلية النظام الإنساني الدولي.
فمع استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، تتراجع فرص الحل السياسي يوماً بعد يوم، في حين يزداد الضغط على الوكالات الإنسانية التي تعمل بموارد محدودة وتحت خطر دائم.
ويشير مراقبون إلى أن غياب الإرادة السياسية الدولية، وتراجع تمويل الاستجابة الإنسانية، وتعدد بؤر الصراع العالمية، كلها عوامل أسهمت في تراجع الاهتمام بالسودان رغم ضخامة الكارثة.
اندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة واندلاع أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وفقاً للأمم المتحدة، يعيش أكثر من 30 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، في حين نزح داخلياً نحو 9.6 مليون شخص وفرّ أكثر من 4 ملايين إلى دول الجوار، في أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم حالياً.
ورغم جهود الإغاثة المستمرة، ما تزال القيود على الوصول الإنساني والتهديدات الأمنية ونقص التمويل تمثل عوائق رئيسية أمام الاستجابة الفعالة، في حين يواجه ملايين السودانيين شتاءً قاسياً وجوعاً يهدد حياتهم يوماً بعد يوم.











